علي مر التاريخ الإسلامي لم يمر حروب صعبة أكثر من الحملات الصليبية على المسلمين، هذه الحملات التي بدأت من أواخر القرن الحادي عشر حتي الثلث الأخير للقرن الثالث عشر، ولكن الحملة الصليبية الأولى كان لها الوقع الأكبر على المسلمين، هذه الحملة التي اتصفت بالهمجية والبربرية البحتة، فما الذي حدث بها؟، لنلقي نظرة سويًا في هذا المقال الجديد من معلومة مفيدة.
الحملة الصليبية الأولى
- الحملة الصليبية الأولي هي أولي الحملات العسكرية التي انطلقت من أوروبا باتجاه الشرق العربي وبالتحديد مدينة القدس بفلسطين،
- أطلق شراراتها البابا أوربان الثاني بعد نداء من الإمبراطور البيزنطي أليكسيوس الأول كومنينوس.
- حققت الحملة الصليبية الأولى نجاحًا عسكريًا باهرًا مع سيطرة القوات المسيحية على القدس في 15 يوليو 1099م.
- شارك في هذه الحملة حوالي 60.000 جندي وانضم إليهم لاحقًا حوالي 30.000 عنصر على الأقل من العناصر غير المقاتلة (عائلات، رهبان، رجال دين، وتجار.. إلخ).
- انطلقت الحملة عام 1095م، شُنت غارات عسكرية في أكثر من محل من آسيا الصغرى والشرق الأوسط، حيث تم استعادة مدن كبرى في شرق العربي مثل نيقية وأنطاكية، بالإضافة إلى الهدف الأسمى المتمثل بمدينة (القدس).
أسباب الحملة الصليببية الأولي
اختلفت الأسباب في قيام هذه الحملة ولكن يمكن جمعها في الآتي:
- كان أول هذه الأسباب هو البعد الجيوسياسي الذي أدى للشرارة لانطلاق هذه الحملات، فقد أدي صعود دولة السلاجقة المسلمين وتوسعهم في الأناضول وآسيا الصغري ضد الجيوش البيزنطية، خصوصًا في معارك فيصلية مثل ملاذكرد وغيرها، وسيطرتهم علي مراكز مهمة في الثغور مع الدولة البيزنطية.
- أسس السلاجقة دولتهم سلطنة الروم وإتخذوا من مدينة نيقية الواقعة في بيثينيا في الشمال الغربي لآسيا الصغرى عاصمة لهم.
- بحلول عام 1087 نجحوا في انتزاع القدس من الفاطميين الشيعة.
- أدرك الإمبراطور البيزنطي ألكسيوس الأول كومنينوس (حكَم 1081-1118) أن توسع السلاجقة في الأراضي المقدسة هو فرصة للحصول على مساعدة من الجيوش الأوروبية الغربية في معركته للسيطرة على آسيا الصغرى.
- ولذلك، ناشد ألكسيوس الغرب لمدهِ بالمحاربين وذلك في مارس من العام 1095م.
- تلقف البابا أوربان الثاني الرسالة فأظهر تجاوبًا سريعًا مثله مثل الآلاف من الفرسان الأوروبيين.
- البابا أوربان الثاني كان يقدم المساعدات العسكرية بالفعل للدولة البيزنطية، وهذه المرة كان مستعدًا أيضا لذلك خصوصًا أن القوات هذه المرة ستكون موجهة لغزو الشرق؛ ولاستعادة الأراضي المقدسة مرة أخري من المسلمين.
- ورأى أيضا أنها ضرورة لحماية مواقع مهمة مثل قبر يسوع المسيح؛ والقبر المقدس في القدس؛ والمسيحيون الذين يعيشون هناك أو يحجون إليها
- بالإضافة إلى ذلك كانت هناك فوائد إضافية غير معنله ومنها أن هذه الحملات:
- سترفع من شأن البابوية في أوروبا كلها.
- كما ستعزز من مكانتها في إيطاليا نفسها بعد أن كانت عرضة لتهديدات أباطرة الجرمان المقدسين في القرن الماضي.
- وكذلك طموح أوربان الثاني في كونه يريد أن يصبح رئيس كنيسة واحدة موحدة، بعد أن انقسمت الكنيسة إلي اثنين بسبب الخلافات حول العقيدة والممارسات الليتورجية.
- أما التبرير الإضافي فهو التشديد على أن هذه الحرب سوف تخاض على أساس التحرير وليس الاعتداء؛ وبأن الأهداف المعلنة من ورائها أهداف عادلة وصالحة.
بطرس الناسك ووالتر المفلس وحملة الرعاع
هناك شخصيات محورية كانت هي من الأسباب لقيام الحملة الصليبية الأولى كلها من الأساس وكان من هذه الشخصيات بطرس الناسك ووالتر المفلس.
ألقى البابا أوربان الثاني خطبة مثيرة في مدينة مونت الفرنسية في ( 27 من نوفمبر 1095م)، ولم تكن تلك الخطبة موعظة أو دعوة إلى الإصلاح، بل كانت تحريضًا وإثارة للحقد والطمع في نفوس الأوروبيين، ودعوة للسلب والنهب؛ والاستيلاء على أرض الآخرين حيث؛ طالب بوجوب استرداد بيت المقدس من المسلمين، ومنّى المتطوعين في الحملة بحياة أفضل في الدنيا، وبغفران الذنوب إن ماتوا في ساحة القتال.
وكانت هذه الخطبة بداية لانطلاق الحروب الصليبية ونقطة فاصلة بين عهدين شهدهما العالم حيث:
- استجاب لهذه الدعوة الطبقات الدنيا من الشعب.
- متأثرة بالدعاة الذين جابوا أوروبا لإثارة حماس الناس، وحميتهم الدينية.
- وكان بطرس الناسك أبرز هؤلاء الدعاة، فاستجاب له الكثير من العامة والفلاحين والرعاع، وقطاع الطرق واللصوص، متأثرين بفصاحة لسانه وبيانه، وشاركه في ذلك داعية آخر اسمه “والتر المفلس”.
- خرجت هذه الجموع، وهي تمني نفسها بالحياة الناعمة والخير الوفير، وعرفت هذه الحملة في التاريخ بحملة الفقراء؛ وارتكبت هذه الحملة في سيرها كل الشنائع من:
- سلب ونهب.
- قتل واعتداء على الأعراض، واغتصاب بعض الراهبات.
- حتى وصلت إلى أبواب القسطنطينية، فسارع الإمبراطور البيزنطي إلى نقلهم عبر مضيق البسفور إلى آسيا الصغرى، وتخلص من شرورهم، وهنا قابل السلاجقة هذه الجحافل.
السلطان قلج أرسلان في مواجهة الحملة الصليبية الأولي
- عندما اتجهت الحملة الهمجية الأولى بقيادة بطرس الناسك ووالتر المفلس من القسطنطينية إلي آسيا الصغري، لم تكن هذه الحملة علي علم بما ينتظرها، ولم يكونوا يعلمون أنهم علي بعد مسافة صغيرة قلعة السلطان قلج أرسلان السلطان السلجوقي.
- كانت النتيجة هي سحق هذه الحملة حيث استطاعت جيوش قلج أرسلان الانتصار على هذه الجيوش الغير النظامية وقتل حوالي 30000 من الصليبيين والبقية بيعوا كعبيد وبعد ذلك توجه إلى غزو الدانشمنديون.
- غادر قلج أرسلان عاصمته نيقية بعد انتصاره على حُشُود الصليبيين إلى ملطية لِيُنازع الدانشمنديين مُلكيَّتها
- ولم يقدر السلطان خطورة الحملات الصليبيَّة، إذ لم يهتم بأنباء وُصُول مجموعةٍ صليبيَّةٍ جديدةٍ إلى العاصمة البيزنطيَّة، وظنَّ أنَّ الأمر لا يعدو كونه وُصُول بعض جُمُوع أُخرى من العامَّة غير المُدرَّبين الذين يقضى عليهم بِسهولة تامَّة، ولم يُدرك ما يتهدَّده من أخطار من جهة الغرب.
- وعندما اتجهت الحملة النظامية التي بها جنود مدربين كان السلطان بحصار نيقية سنة 1097م.
- ليسارع قلج عائدًا إلى نيقية ليجد عاصمته محاصرة، وخاض معركة ضد الصليبين وهزم في 21 مايو.
- بعد هذه الهزيمة استسلمت المدينة للبيزنطيين واقتديت زوجته وأولاده إلى القسطنطينية.
- لكن قلج نجح بإعادة زوجته وأولاده بسبب العلاقات الجيدة مع الإمبراطور أليكسيوس الأول كومنينوس.
وبهذا قضي على إمارة السلاجقة بسبب عدم اليقظة من السطان وسوء التقدير.
حال المسلمين قبل مجيء الحملة الصليبية الأولي
لم تكن أحوال المسلمين تسر قبل مجيء الحملة الأول حيث:
- كان المسلمون السلاجقة الذين سيطروا على معظم آسيا الصغرى وشمال سوريا في العقود الأخيرة من القرن الحادي عشر يعانون من مشاكلهم الخاصة حتى قبل وصول الصليبيين.
- ففي صراعهم المرير مع أخصامهم من البيت الفاطمي؛ والمتمركزين في مصر نجح البيت السلجوقي في إنتزاع مدينة القدس منهم السلطة من قبل العديد من الوزراء الطامحين.
- وبعد وفاة السلطان السلجوقي ملكشاه دخل السلاجقة في صراعات داخلية أدت لاضعافهم.
- وعلاوة علي ذلك كانت القاعدة في الدولة السلجوقية في بغداد بعيدة عن المعارك التي ستنشب في المستقبل القريب كنتيجة مباشرة للحملة الصليبية الأولى.
- بالتالي لم يكن هناك سوى القليل من الدعم اللوجستي أو إدارة مركزية للحرب.
- أضف إلى ذلك؛ أن الشيعة تمكنوا من استعادة القدس من السلاجقة قبل أشهر قليلة من وصول أولى طلائع القوات الصليبية إلى مسرح الأحداث؛ ومن المؤكد بأن الجماعتين السلاجقة والفاطميون على الأرجح لم يدركوا الطبيعة الدينية للمحاولة الصليبية بالوصول إلى القدس وبالتالي قللوا من أهميتها وخطورتها وإعتبروها غارة مؤقتة ليست ذات أهمية.
- لكن جحافل القوات الكاثوليكية الآتية من الغرب الأوروبي لم يكن هدفها الإغارة العسكرية فقط دون أي مضمون وإستراتيجية؛ أو من أجل نهب الثروات ثم الرحيل.
- كانت هذه الجحافل المدعومة من المؤسسة الدينية الأولى في أوروبا.
- كانت تخطط للإقامة الدائمة وتحويل الشرق إلى شرق مسيحي صَرِف.
سقوط إنطاكية
بعد هزيمة قلج أرسلان، اتجه الصليبيون ناحية الشام وبدأ المسلمون يستشعرون الخطر الذي يحدق بهم، ولكن هذا لم يوحدهم للوقوف ضد العدو بل ظلوا في صراعاتهم؛ وواصلت الحملة إلى إنطاكية، ولما بلغتها فرضت على المدينة حصارا في (21 من أكتوبر 1097م) وثبتت المدينة المحاصرة وأبلى أهلها بلاءً حسنًا في الدفاع عنها وطال حصار المدينة حتى بلغ تسعة أشهر:
- في هذه الفترة كان يمكن للفاطميين نجدة المدينة، وبدلًا من أن يفكروا في مساعدة أهلها اتصلوا بالصليبيين.
- وحاولوا الاتفاق معهم على اقتسام الأرض والنفوذ على حساب الأتراك السلاجقة الذين كانوا يحكمون تلك المناطق، وكانت نتيجة الحصار:
- انتهى الحصار بسقوط إنطاكية في (يونيو 1098م) .
- قيام بوهيموند النورماندي بالاستيلاء على المدينة.
- أصبحت من أقوي الإمارات طوال فترة الحملات الصليبية.
وقوع القدس في يد الصليبين
- مكثت القوات الصليبية نحو سنة ونصف في شمال الشام قبل البدء بالتحرك نحو القدس.
- في طريقهم للقدس استطاعوا احتلال القرى والمدن التي كانت تقابلهم بل وصل الأمر أنه كان يذعم الكثير من الحكام المسلمين لهم، وتوالى سقوط المدن الساحلية حتى وجد الصليبيون أنفسهم أمام بيت المقدس.
- وكان “افتخار الدولة” حاكم بيت المقدس من قبل الدولة الفاطمية قد اتخذ استعداده لمواجهة الصليبيين.
- فسمم آبار المياه وقطع موارد المياه.
- وطرد جميع من بالمدينة من المسيحيين لشعوره بخطورة وجودهم أثناء الهجوم الصليبي، وتعاطفهم معهم، وقوى استحكامات المدينة.
قُدرت القوات الصليبية التي تحاصر القدس بأربعين ألفًا، وظلت ساكنة مكانها لمدة خمسة أيام قبل أن تقرر الهجوم على المدينة.
- حتى مجيء يوم الإثنين الموافق (12 من يونيو 1099م) هجم الجنود بشراسة علي المدينة انهارت على إثره التحصينات الخارجية لأسوار المدينة الشمالية.
- لكن ثبات رجال الحامية الفاطمية وشجاعتهم أفشلت الهجوم الضاري وكانت نتيجته:
- قتلت الحماس المشتعل في نفوس الصليبيين.
- تراجعت القوات الصليبية بعد ساعات من القتال.
- وصلت إمدادات للصلبيين قلبت الموازيين وبفضلها استطاعوا الصمود.
- بالرغم من تكبدهم خسائر كثيرة إلا أن هذا لم يضعفهم قط.
- حتى استطاعوا السيطرة على سور المدينة الشمالي ومن هنا سقطت المدينة في قبضتهم.
جرائم الصليبيين في القدس
الجرائم التي فعلها الصليببيون في هذه الحملة كانت من أبشع ما يكون؛ فبعد أن دخل الصليبيون المدينة المقدسة تملكتهم روح البطش والرغبة في سفك دماء العزل الأبرياء فقاموا بـ:
- انطلقوا في شوارع المدينة يذبحون كل من يقابلهم من رجال ونساء وأطفال.
- ولم تسلم المنازل الآمنة من اعتداءاتهم الوحشيةواستمر ذلك طيلة اليوم الذي دخلوا فيه المدينة.
- وفي صباح اليوم التالي استكمل الصليبيون الهمج مذابحهم:
- فقتلوا المسلمين الذين احتموا بحرم المسجد الأقصى.
- وكان أحد قادة الحملة قد أمنهم على حياتهم، فلم يراعوا عهده معهم، فذبحوهم وكانوا سبعين ألفًا.
- كتبوا إلى البابا يفتخرون بما فعلوا دون وازع من خلق أو رادع من دين، فما لامهم ولا استنكر فعلتهم!
- اختار الصليبيون جودفري حاكمًا على المدينة المقدسة.
- راحوا يتطلعون إلى المزيد من الصليبيين الجدد من أوروبا، وأقاموا بطريركية رومانية، وصبغوا البلد بالصبغة الكاثوليكية.
أسئلة شائعة
كم كان عمر الحملة الصليبية الأولي؟
كانت الحملة الأولي من عام 1096م وامتدت حتى عام 1099م.
كم كان عدد الحملات الصليبية علي الشرق العربي؟
لقد كانت 9 حملات قدمت على العالم الإسلامي.
الحملة الصليبية الأولى كانت حملة بشعة، ولولا تخاذل أمراء المسلمين وقتها والتقدير الخاطئ والاستهانة بالعدو لكان الوضع اختلف بعدها ولكتب في التاريخ سيناريوهات مغايرة، انتظروا مقالًا جديدًا في معلومة مفيدة.