التاريخ به محطات فاصلة كانت السبب في كتابة فصول جديدة فيه وتغيير مجري الأحداث، ومن هذه الأحداث معركة ملاذكرد التي بسببها استطاع المسلمين تثبيت أقدامهم في أوروبا وآسيا الصغرى فيما بعد، وكسرت شوكة الروم، وهذا موضوعنا في مقال جديد من معلومة مفيدة.
معركة ملاذكرد
واحدة من أشهر المعارك في التاريخ الإسلامي هي معركة ملاذ كرد، وكانت نقطة تحول في التاريخ، حدثت المعركة في 26 أغسطس 1071م؛ وإليكم مزيد من التفصيل حولها:
- قامت المعركة بين الدولة البيزنطية بقيادة الإمبراطور رومانوس الرابع وبين الدولة السلجوقية بقيادة السلطان ألب أرسلان.
- شق الأتراك طريقهم إلى العالم بأحداث قوية.
- تميز تقدمهم بثلاثة أحداث حاسمة توفر معايير تاريخية:
- تعيين حرس تركي من قبل الخليفة العباسي المعتصم (833).
- اختفاء الدولة السامانية المتمركزة في بخاري (999).
- معركة ملاذكرد (أغسطس 1072).
أسباب قيام معركة ملاذ كرد
لكل معركة أسباب قامت من أجلها وبين أيديكم أسباب معركة ملاذ كرد الأشهر في التاريخ الإسلامي:
- بدأ السلطان ألب أرسلان بضم بلاد الأرمن وجورجيا والأجزاء المجاورة لها من بلاد الروم نظرًا لأنهم كانوا يكثرون من الغارات عليه فأراد أن يضمن هذه المنطقة.
- أدرك الإمبراطور رومانوس هذا الخطر السلجوقي الذي لن يتوقف عند هذه النقطة فقط، فخشسي على دولته، واتجه ناحية بلاد الشام الشِّمالية ليصرف أنظار السلاجقة عن دولته.
وضع العالم الإسلامي في ذلك الوقت
اشتملت تأثيرات معركة ملاذكرد التأثير على العالم الإسلامي ومن هنا جاءت ضرورة توضيح وضعه آنذاك:
- قبل المعركة كانت الخلافة العباسية وهي الخلافة الشرعية وقتها كانت تمر بفوضي كبيرة، وقد استعان العباسيون بالسلاجقة لتأمين مناطق الثغور في أوروبا.
- وكان الصراع القائم بين الفاطميين(الشيعة) في مصر وشمال أفريقيا وبين الخلافة العباسية (السنية) في بغداد، وهذا الصراع كان له تأثيراته السلبية علي العالم الإسلامي.
- ومع زيادة ضعف الحكام العباسيين والفتن بينهم ظهرت الدوليات المستقلة مثل:
- الدولة الطولونية والإخشيدية والسلجوقية بالطبع، وقد ازداد نفوذ السلاجقة في هذا الوقت.
- وضع العثمانيون خراسان تحت سيطرتهم وأقاموا سلطتهم من نهر أوكسوس في آسيا الوسطى إلى قلب بلاد فارس.
التجهيز لمعركة ملاذ كرد
قبل اندلاع الكعركة بدأت الجيوش بالاستعداد للقاء؛ وإليكم تجهيزات كلا الجيشين:
- التجهيز من قبل البيزنطيين:
- تألف الجيش من حوالي 5000 جندي بيزنطي من المقاطعات الغربية، ونفس العدد من المقاطعات الشرقية، بعض المرتزقة الأتراك والبلغاريين والبيتشينغ؛ المشاة تحت دوق أنطاكية؛ وحدة من القوات الأرمينية؛ وبعض حرس فارانجيان، وقوات من الروس والفرنسين والألمان والبلغاريين واليونانيين، تشير المصادر إلى أن عدد القوات كان أقرب إلى 200000.
- المعدات الثقيلة والعتاد الثقيل فقد ذكرت المصادر وجود أسلحة ثقيلة كالمنجنيق وكان يجره الثيران.
- التجهيز من قبل السلاجقة:
- عندما علم السلطان ألب أرسلان بقدوم هذا الجيش الضخم كان في ذلك الوقت في كان بمدينة خوى من أذربيجان عائدًا من حلب.
- لم يتمكن ألب أرسلان من جمع كل الجنود لتفرقهم في أماكن مختلفة ولضرورة التحرك السريع، لوقف مد هذا الجيش الضخم.
- بلغ عدد المسلمين حسب المصادر أربعين ألف جندي، في حين أشارت مصادر أخري إلى كونهم خمسة عشر ألفًا فقط.
- قبل الوصول إلي منطقة ملاذ كرد حاول السلطان ألب أرسلان التفاوض مع الإمبراطور البيزنطي رومانوس، وقد استعان بالخليفة العباسي لكونه علي تواصل مع الإمبراطور، لتفادي القتال والتوصل لحل سياسي، ولكن باءت كل المحاولات للتفاوض بالفشل.
- كان ألب أرسلان يعلم أن رومانوس لن يرضخ للسلم، ولكن الغاية وراء تلك المفاوضات هو كسب بعض الوقت ريثما تصل الإمدادات الأخرى والجنود.
- قد أصاب رومانوس الغرور ظنًا منه أنه لن يغلب مع هذا العدد الضخم، فلم يوافق على أي تفاوض.
- أخذ السلطان يشجع الجنود ويذكرهم بفضل الجهاد في سبيل الله، وأخذ يقوي عزيمتهم، وجاء بالعلماء والشيوخ ليحفزوهم.
- قضي المسلمون ليلة المعركة في الدعاء والتقرب إلي الله.
أحداث معركة ملاذ كرد
حين حانت ساعة القتال صلّى بهم ألب أرسلان وبكى السلطانُ فبكى الناس لبكائه، ودعا ودعَوا معه، وقال لهم: مَن أراد الانصراف فلينصرف فما ههنا سلطان يأمر وينهى وألقى القوس والنشّاب، وأخذ السيف والدبوس (آلة حربية)، وعقد ذَنب فرسه بيده، وفعل عسكره مثله ولبس البياض، وقال: إن قُتلت فهذا كفني، وزحف إلى الروم وزحفوا إليه.
- اتخذ البيزنطيون شكل هلال مما جعلهم يستدرجون مقدمة الجيش البيزنطي وحاولت الأجنحة الإسلامية تطويق الجيش البيزنطي، وكان لرماة المسلمين دور هام في القتال فقد انهالوا علي البيزنطيين بالسهام.
- وكان هذا براعة في التخطيط من المسلمين واستغلال لجغرافية المنطقة الجبلية، في حين أن ذكرت بعض المصادر، يقول ابن العديم: “وشرع أهل منازكرد يتسللون من بينهم فقتل الروم بعضهم، ونجا الباقون، وترك الروم طريقهم الذي كانوا سالكيه، وعاد ملكهم فنزل في مضاربه (معسكره) بين خلاط وملاذكرد، وباتوا ليلتهم على أعظم قلق وأشده”، وذلك قبل المعركة الفاصلة بين الفريقين بليلة واحدة.
- وما كان إلا أن صبر المسلمون واحتسبوا حتي نصرهم الله علي البيزنطيين.
نتائج معركة ملاذ كرد
لكل معركة نتائج مترتبة عليها وآثار؛ وإليكم ما ترتب على معركة ملاذكرد من آثار:
- وقع الإمبراطور رومانوس في الأسر، وسيق إلى معسكر السلطان ألب أرسلان الذي قال له: ما عزمت أن تفعل بي إن أسرتني؟ فقال: أفعل القبيح. فقال له السلطان: فما تظن أنني أفعل بك؟ قال: إما أن تقتلني وإما أن تشهر بي في بلاد الشام، والأخرى بعيدة وهي العفو وقبول الأموال واصطناعي نائبًا عنك. فقال السلطان: ما عزمت على غير هذا.
- أطلق السلطان أسر الإمبراطور بعد أن أخذ فدية كبيرة قدرها مليون ونصف دينار وأيضًا:
- وأن يطلق كل أسير مسلم في أرض الروم.
- وأن تعقد معاهدة صلح مدتها خمسون عامًا.
- يلتزم الروم خلالها بدفع الجزية السنوية، وأن يعترف الروم بسيطرة السلاجقة على المناطق التي فتحوها من بلادهم، وأن يتعهدوا بعدم الاعتداء على ممتلكات السلاجقة.
- أعاد السلطان ألب أرسلان الإمبراطور الأسير وقام بـ:
- خلع عليه خلعة جليلة، وخصص له سرادقًا كبيرًا.
- وأعطاه قدرًا كبيرًا من المال لينفق منه في سفره ثم أفرج عن عدد من ضباطه ليقوموا بخدمته.
- وأمر عددًا من رجاله بصحبته حتى يصل إلى دياره سالمًا.
- عندما وصلت أخبار الهزيمة للقسطنطينية أزال رعايا الإمبراطور “اسمه من سجلات الملك”، وقالوا: إنه سقط من عداد الملوك، وعيّن ميخائيل السابع إمبراطورًا؛ فألقى القبض على رومانوس الرابع الإمبراطور السابق، وقاموا بسمل عينيه.
- بعد المعركة انحسر النفوذ البيزنطي في المنطقة وقد زاد المد الإسلامي، ودخل سكانها في الإسلام.
- وواصل الأتراك السلاجقة غزوهم لمناطق أخرى بعد ملاذكرد، حتى توغلوا في قلب آسيا الصغرى، ففتحوا قونية وآق، ووصلوا إلى كوتاهية، وأسسوا فرعًا لدولة السلاجقة في هذه المنطقة عرف باسم سلاجقة الروم.
أسئلة شائعة
هل مهدت ملاذ كرد لقيام الحروب الصليبية؟
نعم، بعد ازدياد قوة السلاجقة المسلمين وعجز دولة الروم عن الوقوف في وجه الدولة الفتية، ترتب عليه أن الغرب الأوربي لم يعد يعتمد عليها في حراسة الباب الشرقي لأوربا ضد هجمات المسلمين؛ وبدأ يفكر هو في الغزو بنفسه، وأثمر ذلك عن الحملة الصليبية الأولى.
كانت معركة ملاذكرد نقطة تحول في التاريخ، وانطلاقة جديدة للمسلمين في أوروبا، وكانت تمهيدًا لفتح القسطنطينية، وأيضًا قيام الحروب الصليبية،ولنا لقاء آخر في مقال جديد من معلومة مفيدة.