من بين شهور السنة اختص المولى عز وجل بعض الشهور والأيام بأفضال لم تؤتى في غيرها؛ في هذه الأيام والشهور يحرص المسلمين على الطاعة لبلوغ رضا المولى عز وجل؛ وخير ما نسلط عليه الضوء من هذه الأشهر والأيام المباركة شهر شعبان؛ فها نحن على أعتاب رمضان نمضي في شعبان محاولين التأهب للشهر المبارك؛ وقد خصصنا مقالنا اليوم في معلومة مفيدة للحديث عن فضل ليلة النصف من شعبان.
فضل ليلة النصف من شعبان
لهذه الليلة فضل عظيم تنفرد به عن باقي أيام السنة؛ وهي من الليالي المباركة التي يستحب فيها الصيام والقيام والعبادة وصالح الأعمال؛ ومن أفضال هذه الليلة نذكر:
- لهذه الليلة مكانة خاصة حيث فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
- {يطَّلِعُ اللهُ إلى خَلقِه في ليلةِ النِّصفِ مِن شعبانَ فيغفِرُ لجميعِ خَلْقِه إلَّا لِمُشركٍ أو مُشاحِنٍ}.
- معنى الحديث أن المولى عز وجل يغفر الذنوب ولا يتطلع على المشركين أو الذين بينهم غيره أو بغض أو عداء.
- الشرك من أقبح المعاصى وأعظمها عند المولى عز وجل فهو الذنب الذي لا يغفر إلا بالتوبة النصوحة.
- يؤجر المسلم على العبادة في هذه الليلة المباركة وهذا تأكيد على قول الله تعالى:
- {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا}[سورة الكهف: (30)].
- في ليلة النصف من شعبان ترفع الأعمال للمولى عز وجل فيغفر الذنوب لمن يشاء.
فضل صيام ليلة النصف من شعبان
الأحاديث المنتشرة في صدد فضل صيام ليلة النصف من شعبان أحاديث ضعيفة لا ترتقي إلى الصحة ولا يجوز الاعتداد بها والسير عليها كمنهجية في العبادة في هذه الليالي المباركة؛ حتى ما روي عن النبي على لسان علي بن أبي طالب {إذا كانت ليلةُ النِّصفِ من شعبانَ فقوموا ليلَها ، وصوموا نَهارَها ، فإنَّ اللَّهَ يَنزِلُ فيها لغُروبِ الشَّمسِ إلى سماءِ الدُّنيا ، فيقولُ : ألا من مُستغفِرٍ لي فأغفرَ لَه ! ألا مُسترزِقٌ فأرزقَهُ ألا مُبتلًى فأعافيَهُ ألا كذا ألا كذا حتَّى يطلُعَ الفجرُ} إسناده ضعيف؛ وبناءً عليه:
- لا يصح تخصيص فضل لصيام ليلة النصف من شعبان؛ ولكن هذا لا يمنع كون الصيام من الأعمال المستحبة في هذه الليالي المباركة فهي من الأيام الثلاث البيض كونها من ليالي الشهور الهجرية.
- وفي صدد فضل العبادة والذكر في ليلة النصف من شعبان أيضاً ورد عدة أحاديث كما روي عن النبي ﷺ:
- عن لسان عبد الله بن عمرو: {يطَّلعُ اللهُ عزَّ وجلَّ إلى خلقِه ليلةَ النِّصفِ من شعبانَ فيغفرُ لعبادِه إلَّا اثنَيْن مشاحنٍ وقاتلِ نفسٍ}.
أعمال ليلة النصف من شعبان
كعادة المسلمين في أي يوم من الأيام المباركة يجتهدون في ليلة النصف من شعبان لبلوغ الأجر والثواب ومن أفضل الأعمال التي يمكن للمسلم فعلها في هذه الليلة نذكر:
- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ:
- كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ {يَصُومُ حتَّى نَقُولَ: لا يُفْطِرُ، ويُفْطِرُ حتَّى نَقُولَ: لا يَصُومُ، فَما رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إلَّا رَمَضَانَ، وما رَأَيْتُهُ أكْثَرَ صِيَامًا منه في شَعْبَانَ}.
- روي عن أبو ثعلبة الخشني حديث عن رسول الله ﷺ قال فيه:
- (إذا كانَ ليلَةُ النِّصفِ مِن شعبانَ يطَّلِعُ اللَّهُ إلى خَلقِهِ فيغفِرُ للمُؤمنينَ ويترُكُ أهلَ الضَّغائنِ ، وأهلَ الحقدِ بحقدِهِم).
- في سياق الحديث السابق أشار أهل العلم إلى أنه من المستحب للعباد التفرغ للعبادة في هذه الأيام المباركة.
- من الأعمال التي يمكن للمسلم فعلها في هذه الليلة الذكر والتسبيح والدعاء والصيام والقيام.
فضل شهر شعبان والاستعداد لرمضان
خير ما يفعل المسلم في هذا الشهر المبارك أن يبدأ بالاستعداد لشهر رمضان المبارك؛ فمن اعتاد على الصيام في شهر شعبان يصبح صيام رمضان عليه يسير؛ ومن أفضال هذا الشهر في الاستعداد لرمضان:
- الصيام عبادة أساسية من عبادات شهر رمضان المبارك وأي صيام غير رمضان يكون إما قضاء أو اقتداء برسول الله ﷺ.
- في صيام شهر شعبان تعظيم وتبجيل لشهر رمضان المبارك وبصيامه يستعد المسلم لاستقبال الشهر المبارك.
- في هذا الشهر ترفع الأعمال للمولى ودليل هذا ورد في السنة النبوية فعن الإمام أبي موسى الأشعري أنه قال:
- (قامَ فِينا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بخَمْسِ كَلِماتٍ، فقالَ: إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ لا يَنامُ، ولا يَنْبَغِي له أنْ يَنامَ، يَخْفِضُ القِسْطَ ويَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهارِ، وعَمَلُ النَّهارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ).
متى ترفع الأعمال إلى الله في شهر شعبان
ترفع الأعمال في شهر شعبان على عدة أنواع ولم يرد تخصيص برفعها في ليلة النصف من شعبان؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يرفع عمله وهو صائم كان يكثر من الصيام في هذا الشهر الفضيل؛ وقد ازدادت معدلات البحث حول إجابة متى ترفع الأعمال في شعبان وهو ما سنجيبه لكم عبر الأسطر التالية:
- أعمال السنة ترفع في شهر رمضان؛ بينما ترفع الأعمال أسبوعياً يومي الاثنين والخميس.
- رفع الأعمال يشمل القول والفعل؛ ففي هذا الشهر الفضيل ترفع أعمال العباد على مدار العام.
- بينما في يومي الاثنين والخميس فتُعرض الأعمال تفضيلاً؛ ولكلا النوعين استشهادات في الأحاديث النبوية.
- لم يرد أي دليل من السُنة ولا حتى القرآن يؤكد على أن الأعمال ترفع في ليلة النصف من شعبان.
على صعيد آخر فإن أول عمل يرفع للمولى عز وجل هو الصلاة والخشوع في الصلوات الخمس المفروضة.
أفضل الدعاء في شهر شعبان
الدعاء خير ما يتضرع به المسلم للمولى عز وجل؛ وقد أوردت السنة بعض الأدعية الخاصة ببعض الليالي المباركة كدعاء ليلة القدر الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولكن فيما يخص شهر شعبان فلا يوجد أدعية مخصصة لهذا الشهر ولكن يمكنكم الاستعانة بعدة أدعية جاءت في السنة النبوية المطهرة:
- (اللَّهمَّ اهدني فيمن هديتَ، وعافني فيمن عافيتَ، وتولَّني فيمن تولَّيتَ، وبارِك لي فيما أعطيتَ، وقِني شرَّ ما قضيتَ، إنَّكَ تقضي ولا يُقضى عليكَ وإنَّهُ لا يذِلُّ من واليتَ، ولا يعِزُّ من عاديتَ، تبارَكتَ ربَّنا وتعاليتَ).
- (اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لي دِينِي الذي هو عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لي دُنْيَايَ الَّتي فِيهَا معاشِي، وَأَصْلِحْ لي آخِرَتي الَّتي فِيهَا معادِي، وَاجْعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لي في كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ المَوْتَ رَاحَةً لي مِن كُلِّ شَرٍّ).
- (اللَّهمَّ مالِكَ الملْكِ تُؤتي الملكَ من تشاءُ وتنزِعُ الملكَ ممَّن تشاءُ وتُعِزُّ من تشاءُ وتُذِلُّ من تشاءُ بيدِك الخيرُ إنَّك على كلِّ شيءٍ قديرٌ رحمنَ الدُّنيا والآخرةِ ورحيمَهما تعطيهما من تشاءُ وتمنعُ منهما من تشاءُ ارحَمْني رحمةً تُغنيني بها عن رحمةِ من سواك).
شهر شعبان المعظم
في إطار التعرف على فضل شهر شعبان نتطرق لتوضيح الآتي:
- حينما رأى النبي ﷺ تعظيم المسلمين لشهر رجب الحرام تعمد لفت انتباه الصحابة الأجلاء والمسلمين إلى فضل شهر شعبان.
- حدثهم عن مدى فضله وقيمته وحثهم على الاستفادة منه بالإكثار من العبادات والطاعات.
- كان الرسول ﷺ يكثر من الصيام في هذا الشهر لأن فيه يستقبل المولى عز وجل الأعمال.
- في هذا الشهر تحولت القبلة ونزل قول الله تعالى: {قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} [سورة البقرة: (144)].
وصايا شهر شعبان
ننتقل خلال هذه الفقرة لتقديم وصايا للمسلم خلال شهر شعبان؛ فعلى المسلم الحق أن يغتنم أي فرصة للتقرب للمولى عز وجل:
- الحرص على أداء الصلوات الخمس المفروضة فهي واجب على كل مسلم طوال أيام السنة.
- الحرص على أداء السنن الرواتب لما في هذا من فضل؛ فخير ما يفعل المرء الاقتداء بالنبي ﷺ.
- التضرع للمولى عز وجل بالدعاء؛ وسؤاله بأن يبلغنا رمضان لا فاقدين ولا مفقودين.
- التوبة النصوحة لعل الله يتجاوز عنا السيئات ويجعلنا من المقبولين المغفور لهم؛ ففي هذا امتثال لقوله تعالى:
- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} [سورة التحريم: 8].
- كذلك الحرص على قراءة الأذكار الراتبة كأذكار الصباح والمساء وأذكار بعد الصلاة أو غيرها مما شرع المولى عز وجل.
- الصفح الجميل ففي هذا امتثال لقول الله تعالى:
- {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ ۖ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} [سورة الحجر: (85)].
- إعادة الحقوق لأصحابها لأن في هذا امتثال لقول الله تعالى:
- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ} [سورة النساء: 29].
- تلاوة آيات القرآن الكريم للاستعداد لشهر رمضان المبارك ولبلوغ ثواب القراة:فقد روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال:
- {من قرأ حرفًا من كتابِ اللهِ فله به حسنةٌ والحسنةُ بعشرِ أمثالِها لا أقولُ {ألم} حرفٌ ولكن ألفٌ حرفٌ ولامٌ حرفٌ وميمٌ حرفٌ}.
- من الأعمال المستحبة كذلك الصيام وفي هذا اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يصوم:
- الاثنين والخميس من كل أسبوع؛ كما ويمكنكم صيام الرابع والخامس والسادس عشر.
- يسحب في هذا الشهر الإكثار من الأعمال الصالحة لبلوغ الأجر.
الحكمة من تفضيل بعض الأزمان
ننتقل معكم خلال فقرتنا هذه لتوضيح الحكمة في تمييز بعض الأزمان عن غيرها كشهر شعبان الذي يتبعه أفضل شهور السنة:
- فضل المولى عز وجل بعض الليالي عن غيرها كالعشر الأوائل من ذي الحَجَّة والأواخر من شهر رمضان المبارك وغيرهم لحكمة وهي:
- زيادة دافعية المسلمين لأداء الطاعات والإكثار من العبادات.
- دفع المسلمين للعبادة والتنافس لبلوغ الأجر.
- لتصبح فرصة للمسلمين للتوبة والعودة للطريق الصواب.
- لتكون رجعه لمن ضل طريق الحق؛ ففي هذه الأيام المباركة يتضاعف الأجر ويعظم ثواب العبادة.
على المسلم الحق أن يقتنص أي فرصة لبلوغ الأجر والتقرب للمولى عز وجل ففي الأيام المباركة فرصة للعودة للطريق المستقيم؛ وخير ما يفعل المرء الاستعداد لشهر رمضان المبارك بالعبادة والطاعة خلال شهر رمضان المبارك فبها يتقرب من الله تعالى ومنها يبلغ فضل شهر شعبان بل وبالأدق فضل ليلة النصف من شعبان كونها من الليال البيض؛ وختاماً نأمل أن نكون استطعنا أن نضع بين أيديكم في معلومة مفيدة ما ترجونه من البحث.
