يعد السؤال عن فضل ليلة القدر سؤالا متكرراً للمسلمين حول العالم بشكل سنوي خلال شهر رمضان المبارك طمعاً في كسب ثواب هذه الليلة المباركة، فهي من الليالي المميزة في الإسلام، تحتل مكانة هامة في العبادة الإسلامية؛ وتعتبر خير من ألف شهر، حسبما ذكر في القرآن الكريم، فهي فرصة للمسلمين للتوبة والاستغفار وترك الذنوب والخطايا، وهي كذلك فرصة للتفكر والتأمل في الأمر الإلهي والتواصل مع الخالق والرسول عليه الصلاة والسلام، والتعبير عن مدى الإيمان والتقوى والإخلاص لله؛ وخلال مقالنا التالي من معلومة مفيدة سنسلط الضوء على فضل هذه الليلة وكافة المعلومات المتعلقة بها.
فضل ليلة القدر
من فضل الله على عباده أن جعل شهر رمضان شهر البركة والثواب المضاعف لمن يرجو الرحمة والغفران، فمن صامه غفر له من ذنبه ما تقدم، وكذلك جعل خير الليالي في رمضان هي ليلة القدر التي نزلت فيها سورة كاملة من القرآن الكريم هي سورة القدر؛ ومن أفضال ليلة القدر:
- الثواب العظيم: إن ليلة القدر تعتبر من أكثر الليالي تقرباً وعبادة لله، ولذلك فإن المسلم يثاب بأجر عظيم في هذه الليلة، وبفضلها يحصل المسلم على الخير والبركة والتوفيق في الدنيا والآخرة.
- الإجابة للدعاء: فيها فرصة للمسلمين للتضرع إلى الله بالدعاء وإذا كان هذا الدعاء صادقاً ومخلصاً فإن الله يستجيب له ويقبله.
- أول ما نزل من القرآن: حيث أنزل الله القرآن من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في سماء الأرض، كي ينزل به جبريل عليه السلام على سيدنا محمد رسول الله وأول ما نزل منه كان خمس آيات من سورة العلق.
- نزول الملائكة: تنزل رحمة من المولى عز وجل وتحل البركة في هذه الليلة بنزول الملائكة.
- المغفرة والعتق من النار: وذلك كما قال النبي ﷺ: {مَن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ، ومَن صَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا واحْتِسَابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ}.
- السلام والبركة: فإنه من شهد هذه الليلة فهو آمن معافى. وبركتها تتمثل في أنها خير من ألف شهر، أي أن الثواب يتضاعف فيها ألف مرة.
- كتابة الأجل والرزق: ففي هذه الليلة يقدر الله سبحانه وتعالى الأرزاق والأعمار، كما يقدر حوادث الليل والنهار حتى العام القادم.
في النهاية، فإن فضل ليلة القدر يعتبر عظيماً ومهماً للمسلمين، ولذلك يجب الاستعداد لها والتحضير لها بالعبادة والتوبة والدعاء والتضرع إلى الله عز وجل، عسى أن يجعل الله لنا في هذه الليلة خيراً كثيراً ويغفر لنا ذنوبنا ويتقبل منا أعمالنا.
أصل تسمية ليلة القدر
اختلف العلماء حول سبب تسمية ليلة القدر بهذا الاسم، واختلفوا أيضا حول معناه:
- فعن سبب التسمية:
- فقد قيل لأنه ينزل فيها ملائكة ذوات قدر.
- كما قيل لأنها نزل فيها كتاب ذو قدر، بواسطة ملك ذي قدر، على رسول ذي قدر، وأمة ذات قدر.
- كذلك قيل لأن للطاعات فيها قدرًا عظيمًا.
- كما قيل لأن من أقامها وأحياها صار ذا قدر.
- فيما وقال القرطبي: ” إنما سميت ليلة القدر بذلك لعظمها وقدرها وشرفها من قولهم: لفلان قدر أي شرف ومنزلة قاله الزهري وغيره”، وأيضاً قال النووي: “وقيل سميت ليلة القدر لعظم قدرها وشرفها”.
- وقد قال أبو بكر الوراق: “سميت بذلك لأن من لم يكن له قدر ولا خطر يصير في هذه الليلة ذا قدر إذا أحياها”
- ويرجح أنها سميت بذلك لاشتمالها على كل المعاني السابق ذكرها في جوهرها.
- وعن معنى الاسم:
- ففي اللغة، يعني “القدر”: القضاء أو الحكم، كالقضاء والقدر. ويأتي أيضا بمعنى المكانة أو المنزلة، كفلان له قدر. وقد يأتي بمعنى التقدير.
ليلة القدر في الكتاب والسنة
بحكم أفضال ليلة القدر وثوابها العظيم، فقد أشارت آيات القرآن الكريم لها في أكثر من موضع كالتالي:
- سورة القدر: حيث نزلت سورة كاملة باسمها هي سورة القدر:
- يقول الله سبحانه وتعالى : {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)} إشارة لنزول القرآن في تلك الليلة المباركة مما يشي بعظمة فضلها لاختيارها من رب العالمين لتكون موعد نزول أول آيات القرآن الكريم.
- سورة الدخان: ذكرت في عدة مواضع:
- فيها قال المولى عز وجل لليلة القدر بقوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)}، أي فيما يخص شئون الناس أرزاقهم ومآلهم.
- وقال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} فوصفها بالمباركة لكثرة الثواب والبركات بها.
كما تحوي السنة النبوية العديد من الأحاديث التي تتحدث عن علامات ليلة القدر وأفضالها. نذكر منها:
- أحاديث عن فضل ليلة القدر:
- عن أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ::
- (مَن قامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمانًا واحْتِسابًا غفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ).
- {لمَّا حضَرَ رمضان، قال رسول اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّمَ: قد جاءَكم رمضان، شهر مبارَك، افترَضَ الله عليكم صِيامَه، تفتَح فيه أبواب الجنَّةِ، وتغلَق فيه أبواب الجَحيمِ، وتغَلّ فيه الشَّياطين، فيه لَيلة خَير مِن ألْفِ شَهرٍ، مَن حرِمَ خَيرَها فقد حرِمَ}.
- عن أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ::
- أحاديث عن علامات ليلة القدر:
- عن عبد الله بن عباس قال: قال أنَّ النبيَّ ﷺ قَالَ:
- {التَمِسُوهَا في العَشْرِ الأوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ لَيْلَةَ القَدْرِ، في تَاسِعَةٍ تَبْقَى، في سَابِعَةٍ تَبْقَى، في خَامِسَةٍ تَبْقَى}.
- {ليلةُ القدْرِ ليلةٌ سمِحَةٌ ، طَلِقَةٌ ، لا حارَّةٌ ولا بارِدَةٌ ، تُصبِحُ الشمسُ صبيحتَها ضَعيفةً حمْراءَ}.
- عن عبد الله بن عباس قال: قال أنَّ النبيَّ ﷺ قَالَ:
تحديد ليلة القدر
من الشائع عند كثير من المسلمين أن ليلة القدر هي ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك، إلا أن الصواب أنها غير محددة بليلة معينة، وأنها في وتر العشر الأواخر من رمضان؛ غير أنه من الوارد أن تصاحبها بعض العلامات التي تساعد في التعرف عليها والتحقق منها، لا سيما مع وجود بعض العجائب والميزات الخاصة التي تحدث عنها بعض السابقين مما سنذكره تباعاً في السطور القادمة، فقد روي في علامات ليلة القدر أكثر من علامة، نذكر منها:
- الطقس: تكون ليلة معتدلة عادة؛ طقسها غير بارد أو حار.
- الشمس: تكون شمسها بيضاء في صبيحتها أي لا شعاع لها.
عجائب ليلة القدر
لا عجب أن ليلة بهذا القدر من الأهمية والمكانة الخاصة في ديننا الحنيف وفي نفوس عموم المسلمين، لا عجب أن تحوي الكثير من العجائب والميزات الخاصة كما تحمل الأفضال والبركات. ومما ورد في الفقه والتراث الإسلامي من عجائب خاصة بها نذكر التالي:
- عجائب في القرآن:
- ذهب البعض لوجود إعجاز عددي ولغوي خاص بسورة القدر في القرآن الكريم، حيث أنها تتكون من 30 كلمة هي عدد أيام الشهر، وتعد إشارة لبلاغة آيات الذكر الحكيم.
- عجائب في البحر:
- نذكر أنه قد روي عن الإمام البيهقي في كتابه “فضائل الأوقات” بباب “فضائل ليلة القدر”: من طريق الأوزاعي عن ابن أبي لبابة أنه سمعه يقول إن المياه المالحة تعذب تلك الليلة. قال ابن أبي لُبَابَةَ:
- “ذقتُ ماء البحر ليلة سبعٍ وعشرين فوجدته عذبًا”.
- نذكر أنه قد روي عن الإمام البيهقي في كتابه “فضائل الأوقات” بباب “فضائل ليلة القدر”: من طريق الأوزاعي عن ابن أبي لبابة أنه سمعه يقول إن المياه المالحة تعذب تلك الليلة. قال ابن أبي لُبَابَةَ:
- عجائب في الشجر:
- قال الإمام ابن حجر العسقلاني في كتابه “فتح الباري في شرح صحيح البخاري”، وذكر الطبري عن قوم أن الأشجار في ليلة القدر تسقط إلى الأرض ثم تعود إلى منابتها وأن كل شيء يسجد فيها.
- وروى الإمام الحافظ الثقة أبو موسى المديني الشافعي من طريق أبي الشيخ الأصفهاني بإسناد له عن حماد ابن شعيب عن رجل منهم قال: “كنت بسواد فلما كان العشر الأواخر- من رمضان- جعلت أنظر إلى الليل فقال لي رجل منهم: إلى أي شيء تنظر؟ قلت إلى ليلة القدر، قال: قم فإني سأخبرك فلما كان ليلة سبع وعشرين جاء فأخذ بيدي وذهبت إلى النخل فإذا النخل واضع سعفه في الأرض، فقال لسنا هذا نراه في السنة كلها إلا في هذه الليلة”.
- عجائب في الشمس:
- روي عن مسلم عن أبي بن كعب: “فتكون الشمس يومها لغلبة نور تلك الليلة على ضوئها، تطلع غير ناشرة أشعتها في نظر العيون”. وقد جاء ذلك أيضاً في شرح صحيح مسلم عن الإمام النووي.
- أيضا ذكر الإمام الشافعي ذلك وقال الإمام التابعي الشعبي: “ليلة القدر ليلها كنهارها”.
أحكام ليلة القدر
ننتقل معكم خلال فقرتنا هذه لطرح أحكام متعلقة بليلة القدر:
- في ذلك نقل الحافظ ابن حجر: “أن من رأى ليلة القدر، استُحبّ له كتمان ذلك، وألا يخبر بذلك أحداً، والحكمة في ذلك أنها كرامة، والكرامة ينبغي كتمانها بلا خلاف”.
- كما أفاد العلماء بأنه كي يشهدها المسلم ليس شرطا أن يرى شيئا أو أن يسمعه، وقد يحصل له الأجر حتى وإن لم يرى كل شيء ساجداً، وإن لم يرى نوراً، ولا أن يسمع سلاماً أو هاتفاً من السماء، فالله سميع عليم.
- كما أن فضائل ليلة القدر ليست قاصرة على المصلين فقط، بل تشهدها أيضا النفساء والحائض، وحتى المسافر. وقد قال الضحاك: “لهم في ليلة القدر نصيب، كلُ من تقبل الله عمله، سيعطيه نصيبه من ليلة القدر”.
ماذا تفعل في ليلة القدر
ينبغي على كل مسلم ومسلمة اغتنام ليلة القدر المباركة والإكثار من الدعاء فيها لبلوغ أجرها وفضلها. حيث قال النووي: “ويستحب أن يكثر فيها من الدعوات بمهمات المسلمين، فهذا شعار الصالحين، وعباد الله العارفين”. وقيام ليلة القدر يكون بالحرص على تأدية العبادات التالية:
- الإكثار من العبادة:
- يجب على المسلمين في ليلة القدر الاجتهاد في العبادة والتقرب إلى الله عز وجل بالصلاة والذكر والدعاء والتلاوة.
- قراءة القرآن الكريم:
- ينصح بقراءة القرآن الكريم في ليلة القدر، والاستماع إلى تلاوته بصوت عذب ومؤثر، والتدبر في معانيه والتفكر في آياته.
- الاستغفار والتوبة:
- يجب على المسلمين في ليلة القدر الاستغفار من الذنوب والخطايا، والتوبة إلى الله، والتضرع إليه بالدعاء والتوسل إليه بالرحمة والمغفرة.
- الصدقة والإحسان:
- ينصح بإعطاء الصدقة والتصدق وإحسان الخلق والتعاطف مع الآخرين، وذلك لأن الصدقة تطهر النفس وتكفر الذنوب وتجلب الرحمة والبركة.
- الدعاء:
- عن أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها: “قلتُ يا رسولَ اللهِ أرأيتَ إن علِمتُ ليلةَ القدرِ ما أقولُ فيها؟ قال: قُولي اللَّهمَّ إنَّك عفُوٌّ تُحبُّ العفوَ فاعْفُ عنِّي”.
والحديث عن فضل ليلة القدر لا ينتهي، فهي أفضل ليلة في السنة وهي خير من ألف شهر، ولذلك يكثر السؤال عن موعدها وعلاماتها في مختلف البلدان العربية والإسلامية. جعلنا الله وإياكم من المغفورين لهم بإذن الله وإلى اللقاء مع مقال جديد من معلومة مفيدة.