التاريخ يزخر بالعديد من الشخصيات التي غيرت مجري الأحداث فيه تمامًا وقلبت الموازين لتظهر صفحات بمعالم جديدة، قد لا تكون مواقف كثيرة ولكنها عميقة ومؤثرة بالقدر الذي يجعلها خالدة في الأذهان، وهنا في معلومة مفيدة سنتحدث عن شخصية غيرت التاريخ وتركت لنا ملحمة تاريخية تناقلتها الأجيال بكل فخر إنه السلطان الب ارسلان صاحب الموقعة الشهيرة ملاذ كرد.
الب ارسلان
كان للدولة السلجوقية العديد من السلاطين العظام الذين دافعوا عن العالم الإسلامي ضد الغزاة وحافظوا علي وحدته ومنهم السلطان ألب أرسلان أو كما يلقب “قلب الأسد” أو “الأسد الشجاع”، موضوع حديثنا اليوم وإليكم سيرته الذاتية:
- الب ارسلان هو السلطان محمد بن جغري بك داود بن ميكائيل بن سَلْجُوق بن دُقَاق التركماني.
- كان السلطان الثاني للدولة السلجوقية.
- وابن شاغري بك حاكم خراسان في إيران، وابن شقيق توغرول حاكم غرب إيراني عام 1061م توفي والده.
- عندما توفي عمه في عام 1063م بدون قضية، أصبح ألب أرسلان الوريث الوحيد لجميع ممتلكات السلالة باستثناء كرمان في جنوب إيران، التي كان في حوزة أحد إخوته، الذي سرعان ما تحول إلى تابع.
- كما أنه قضى بسهولة على ابن إحدى أرامل توغرول ، وكذلك قطلومش، ابن عمه ومنافسه.
- أشتهر ألب أرسلان بحبه للقتال وبشجاعته وحرصه علي توحيد دولته، وانطلق حكمه من سنة (1063–72).
نشأة ألب أرسلان
ولد ألب أرسلان سنة 1029 ميلادية في الأسرة السلجوقية التي تنتسب إلى قبيلة من قبائل الغز التركية والتي كان يقودها الزعيم «سلجوق» في القرن الرابع الهجري؛ وإليكم مزيد من التفصيل:
- كان للسلاجقة دور كبير في مساندة الدولة العباسية في ذلك الوقت بعد أن كانت علي وشك الانهيار بين النفوذ الشيعي في إيران والعراق والنفوذ الفاطمي في مصر وبلاد الشام.
- بعد وفاة عمه تولى هو السلطنة، وكان قائدًا ماهرًا.
- اتخذ سياسة خاصة تعتمد على تثبيت أركان حكمه في البلاد الخاضعة لنفوذ السلاجقة.
- كان هذا قبل التطلُّع إلى إخضاع أقاليم جديدة وضمِّها إلى دولته.
- ورث أراضي واسعة وما إن لبث أن استلم الحكم حتى قامت الصراعات الداخلية، حيث ثار عليه بعض أقربائه منهم أخوه سليمان وعمه قتلمش.
- هذا جعل ألب أرسلان يقاتلهم واحدًا تلو الآخر ليقضي على تلك الفتن، وقد انتصر عليهم.
- دخل في نزاع مع وزير عمه طغرل بك أبي نصر الكندري الذي أراد الأخ الأصغر غير الشقيق لألب أرسلان (سليمان) في الحكم ليتحكّم من خلاله في الدولة، الأمر الذي جعل الب ارسلان يسرع في السير من خراسان إلى عاصمة السلاجقة الري للسيطرة عليها.
- بعد ذلك انشغل الب ارسلان في القضاء على الفتن الداخلية التي قام بها بعض حكام الأقاليم فلقد خرج عليه حاكم إقليم ‘كرمان’ وغيره، وعانى من غارات القبائل التركمانية التي تعيش على السلب والنهب؛ فكان ألب أرسلان في الجنوب يخمد الفتن.
- أحبط ألب أرسلان محاولة من عمه بيجو للاستقلال بإقليم هراة سنة 457 هـ/1065م.
- بعد سنوات نجح في المحافظة على دولته وتوسيعها.
الحروب التي خاضها الب ارسلان
بعد أن أنتهى الب ارسلان من الصراعات والفتن الداخلية اتجه بعدها لتوسيع نفوذه، فقد عرف عنه حب الجهاد، وقد سار على سياسة جميع الملوك السلجوقيين الثلاثة العظماء، فقد اتجه إلى تدعيم سلطانه في آسيا الوسطى؛ كونها الأساس الذي بدأت منه الدولة السلجوقية، فيما وقد أتم الحفاظ على السلام مع الحكام الغزنويين الذين كان من الصعب تعقبهم في معاقلهم الجبلية في الهند، بينما تم استخدام القوة ضد القراخانيين في بلاد ما وراء النهر؛ ومن بعدها اتخذت حروبه عدة طرق وهي كالآتي:
- كان عليه حل الخلافات السياسية بينه وبين الدولة العباسية صاحبة السيادة الشرعية والدينية على العالم الإسلامي في ذلك الوقت.
- هذا وضع الب ارسلان في مهمة صعبة حيث كان يجب عليه التوجه لمصر للقضاء على البدعة الإسماعيلية الفاطمية، التي لم تقبلها الخلافة العباسية السنية في بغداد والتي كان حاميها.
- من ناحية أخرى، كان يدرك ضرورة الحفاظ على نفوذه على التركمان، وهو مهم لقوته العسكرية.
- كان الاهتمام الأكبر للسلاجقة منصب على الجهاد في الأراضي البيزنطية، ومن جاورهم من الأرمن والجورجيين فقام بـ:
- سلسة من الحملات على تلك المناطق قامت بها فرق من السلاجقة.
- في عام 1064م استولى على آني، العاصمة الأرمنية السابقة، وكارس.
- أزعجت هذه الحملات نظام الدفاع البيزنطي ومهدت الطريق للغزو التركي اللاحق لآسيا الصغرى. نتج عنها ردود فعل بيزنطية في سوريا وأرمينيا بعد ذلك.
- استطاع إخضاع بعض المناطق في شمال الشام التابعة للفاطميين، ولكن توقف أمام بوابة عسقلان حيث لم يستطع ضمها.
معركة ملاذ كرد
استغل البيزنطيون انشغال السلاجقة في حروبهم وقاموا بتجميع جيش ضخم قوامه أكثر من 200 ألف جندي؛ تحفزوا لاستعادة أرمينيا وكل ما فقدته من أرجائها، وقد أتتها الفرصة حين توفي الإمبراطور البيزنطي قسطنطين العاشر، فتولت المُلك بعده زوجته الإمبراطورة إيدوسيا وصية على ولدها الصغير ميخائيل السابع؛ وإليكم تفاصيل الأحداث:
- تزوجت الإمبراطورة البيزنطية القائد العام لقواتها رومانوس ديوجين، وكان فارسًا مغوارًا يفاخر الصليبيون بفتوته وبطولاته.
- لما رأى نفسه المتصرف في ملك الدولة البيزنطية طفق يؤلف جيشًا من متعصبي الصليبيين، ولم يزل يجمع الجيش، وينفق عليه الأموال الطائلة.
- حتى بلغ جيشه مائة ألف مقاتل، كلهم متعطش لدماء المسلمين! إضافة إلى الحرس الجمهوري القوي الذي كان تدريبهم أعظم من غيرهم.
- هذا بالإضافة إلى مرتزقة صليبيين من النورمان والفرنج والصقالبة والترك، المقيمين في جنوب روسيا والبشناق.
- فلما أصبح الجيش الصليبي تام التجهيز، توجه صوب أرمينيا بقيادة رومانوس نفسه زوج الإمبراطورة التي رفعته إلى رتبة إمبراطور.
- وكانت خطته أن يباغت أرمينية قبل أن يصل إليها الب ارسلان، الذي كان في الجنوب يخمد الفتن.
- ولما بلغ الب ارسلان هجوم رومانوس في اتجاه حصن ملاذ كرد وحصن خُلاط، أسرع إلى أرمينيا ليواجه بجيشه الصغير تلك الجموع البيزنطية الهائلة؛ وحاول ألب أرسلان دعوة جيشه وجمع أكبر عدد منهم، لكنه وجد الوقت قصيرًا، فلم يتمكن من جمع أكثر من خمسة عشر ألف جندي سار بهم ليواجه بهم 200 ألف مقاتل.
- وقد وضع السلطان خطة محكمة للتغلب علي الصليبيين، وشجع الجنود للقتال وألا يخافوا من أعداد البيزنطيين الهائلة.
- حينما بدأت المعركة انقض المسلمون علي البيزنطيين بهجوم كاسح، ولم يتوقع الروم أن يكون المسلمون بهذا الإقدام،.
- أمام عزيمة المسلمين وزعزعة صفوف الروم انكسرت شوكتهم وتكبدوا خسائر مهولة، وقتل منهم الكثير من الجنود.
- كانت الضربة القاسمة لهم هي أسر الامبراطور البيزنطي رومانوس.
- وقد أخلي سبيله مقابل مبلغ من المال قدره مليون ونصف مليون دينار، وعقد البيزنطيون مع السلاجقة صلحًا مدته خمسون عام.
اسئلة شائعة
كيف مات السلطان ألب أرسلان؟
توفى السلطان الب أرسلان بعد عام واحد فقط من معركته ملاذكر، قتله يوسف الخوارزمي في العاشر من ربيع الأول سنة 465هـ الموافقة لتاريخ 29 نوفمبر 1072م؛ توفي عن عمر يناهز 44 سنة وخلفه في الحكم ابنه ملكشاه؛ وقد ذكره صاحب كتاب “قادة لا تنسى” قائلًا أنه لم يستطع أن يهنأ بما حققه ولا حتى أن يجني ثمار نصره في المعركة.
كم استمر حكم الب ارسلان؟
بدأ حكم ألب أرسلان سلطان الدولة السلجوقية سنة 1064 وانتهى بوفاته سنة 1072م وبهذا يكون قد حكم البلاد لمدة8 سنوات.
الب ارسلان شخصية غيرت مجري التاريخ، وما قدمه في ملاذكرد هو خير دليل علي العزيمة والشجاعة، وأن مجموعة صغيرة من المسلمين بسبب ثقتها في الله وتمسكها بالحفاظ علي أراضيها استطاعت وضع بصمتها في كتب التاريخ بسيرة يملؤها الفخر، نتمني أن نكون قدمنا معلومة مفيدة بين أيديكم ونلتقي بكم في مقال آخر.
