أصوات كثيرة تتزاحم من حولك؛ ضجيج، شجار، آلات تنبيه، يوم عمل شاق طويل ملئ بالأصوات، تحتاج ساعات من اليوم للهدوء والنوم والهرب من كل هذه الضغوط، عطلة نهاية الأسبوع فرصة أيضاً للاسترخاء وقضاء وقت ممتع مع العائلة والأصدقاء؛ ولكن ماذا إذا كان الضجيج في رأسك؟!؛ والأصوات مصدرها داخلك؛ إنه لأمرٍ مؤسفٍ وخطير؛ يحتاج إلى متابعة وعلاج لأن الهلاوس والضلالات والهذاءات هي أهم أعراض الذُهان؛ ولكن أحياناً تستجيب الأجسام برد فعل عكسي لمضادات الذهان محدثةً ما يسمى بمتلازمة الذهان؛ وفي هذا المقال من معلومة مفيدة تعرف على متلازمة الذهان الخبيثة وأهم الأعراض والمضادات المسببة لها.
تعرف على متلازمة الذهان الخبيثة
يمكن تعريف الذهان على أنه اضطراب عقلي يسبب تشوهات في التفكير والإدراك والانسحاب الاجتماعي وفقدان الصلة بالواقع الناتج عن الهذاءات والضلالات والهلاوس؛ حيث يتخيل المريض ويرى أشياء من نسج خياله، يسمع أصوات غير حقيقية، يشم روائح غير موجودة، ويمكن أن يسبب الذهان خلل في الشعور بالحرارة والبرودة مما يستدعي التدخل العلاجي الفوري واستخدام المضادات اللازمة، والجدير بالذكر أن للذهان نوعان:
- ذهان عضوي: وهو المرتبط بالإصابات العضوية كالتعرض لحادث، تلف المخ، إصابات الدماغ، إدمان الكحوليات وغيرها.
- الذهان النفسي: وهو المرتبط بالحالات النفسية الحادة كالاكتئاب الذهاني وذهان الشيخوخة.
ماهي متلازمة الذهان الخبيثة
متلازمة الذهان الخبيثة Neuroleptic malignant syndrome (NMS) : تعرف كلمة متلازمة لغةً بأنها من الفعل لزم ولزم الشئ أي ثبت عليه ولم يفارقه وصاحبه، وكلمة Syudrome مشتقة من الكلمة اليونانية Sundromos والتي تعني التزامن (أي ظهور المرض مع ظهور الأعراض)، وفي الاصطلاح هي حالة عصبية طارئة ورد فعل عكسي للجسم ناتج عن استخدام المضادات الحيوية الخاصة بمرض الذهان فتحدث هذه المتلازمة ويمكن أن تسبب جميع الأدوية المستخدمة في علاج الذهان أعراض المتلازمة لذلك يجب أن يكون جميع المرضى تحت الملاحظة والاستشارة المنتظمة؛ ويمكن للمتلازمة أن تهدد حياة المريض لأنها تسبب ضعف في وظائف الجسم إن لم يتم التشخيص المبكر والسيطرة على الأعراض؛ وأهم أعراضها ما يلي:-
- ارتفاع درجة حرارة الجسم لأكثر من (38 مئوية).
- زيادة سرعة ضربات القلب.
- حمى شديدة.
- زيادة التعرق .
- عدم انتظام ضربات القلب.
- ارتفاع أو انخفاض ضغط الدم.
- زيادة معدل التنفس.
- تغيرات في الحالة العقلية؛ بالإضافة إلى الحالة العقلية المضطربة لمريض الذهان فإن المتلازمة يصاحبها مزيد من الهياج والارتباك للمريض.
- تصلب الجسم والعضلات.
- بالإضافة إلى زيادة التعرق.
- الخرس المصاحب لحالة التصلب.
- الغيبوبة والذهول في حالة التشخيص المتأخر.
- التدهور الشديد في الأجهزة والوظائف.
- بعض المرضى كذلك يصابون بعسر البلع والكلام.
- الرعاش أيضاً من أعراض التشوهات الحركية.
- كذلك الشعور بارتعاش مصحوب بهذيان.
أسباب الإصابة بمتلازمة الذهان الخبيث
تنتج متلازمة الذهان الخبيثة كرد فعل سلبي لاستخدام مضادات الذهان؛ ظهرت أول حالة عام 1952م بعد تناول عقار كلوبرومازين؛ وقد انخفضت نسب الإصابة في الوقت الحالي مع زيادة وعي الأطباء النفسيين بالمتلازمة ومسبباتها؛ حيث انخفض معدل الإصابة في الوقت الحالي إلى 0.01%؛ ومن الأسباب الرئيسية للمتلازمة نذكر مايلي:
المضادات القديمة أو مايطلق عليه مضادات الجيل الأول التي ظهرت في خمسينيات القرن الماضي، والتي تعمل كمثبطات للدوبامين: وتعد المضادات التقليدية ذات آثار جانبية أكثر حدة بقليل من مضادات الجيل الثاني رغم أن الأدلة على ذلك ضعيفة نوعاً ما، وقد اثبتت بعض المضادات مثل الكلوزابين من الجيل الأول فاعلية أكبر في علاج الذهان؛ ومن مضادات الجيل الأول:
- الفينوثيازينات نذكر منها مايلي:
- الميزوريدازين.
- البيريكيازين.
- البيريفينازين(تريلافون).
- الكلوبرومازين (ثورازين ولارجاكتيل) .
- البوتيروفينونات؛ومنها:
- الهالوبيريدول .
- الدروبيريدول .
- الثيوكسانثينات؛ومنها:
- الكلوبينثيكسول.
- الفلوبينثيكسول .
- الزوكلوبينثيكسول.
- المضادات غير التقليدية أو مضادات الجيل الثاني: أثبتت فاعلية أكبر لعلاج الذهان مع آثار جانبية أقل وظهرت طفرة الأبحاث حولها في أوائل تسعينيات القرن الماضي؛ ومن هذه المضادات نذكر مايلي:
- الكلوزابين.
- الأولانزابين.
- الزيبراسيدون (جيودون).
- الجيل الثالث من مضادات الذهان مثل:
- الأيريبيبرازول يعطى منه جرعات من 1 إلى 30 مللميجرام؛ ويقلل الأعراض الجانبية للأيض عند مرضى الذهان مقارنة بمضادات الجيل الثاني إلا أن هذا الأمر يُعد قيض البحث والدراسة.
- المنشطات الجزئية للدوبامين.
- استخدام بعض الأدوية المقاومة للغثيان والقئ مثل: (الدومبيريدون-الميتوكلوبراميد).
- أدوية أخري:
- التوقف عن استخدام أدوية بارنكسون.
- استخدام بعض مضادات الاكتئاب .
- أدوية الليثيوم.
- خافض ضغط الدم الريزيربين أيضاً.
- هذا بالإضافة إلى وجود تاريخ مرضي للإصابة بالمتلازمة في وقت سابق.
بعض المضادات المسببة لمتلازمة الذهان الخبيثة
تعرف مضادات الذهان بأنها مضادات تستخدم لتهدئة الهياج وخلق حالة من اللامبالاة والسيطرة على الهذيان والهلاوس في الحالات العصبية والنفسية الحاد كاضطراب ثنائي القطب والوسواس القهري الحاد؛ والاكتئاب الذهاني، تعتمد مضادات الذهان على تثبيط مستقبلات الدوبامين، ويعتبر الدوبامين من الهرمونات المسئولة عن المتعة والعديد من العمليات العصبية كالإدراك والانتباه والتذكر؛ والزيادة والنقصان في الدوبامين يكون مسئولاً عن كثير من الحالات النفسية والعصبية، وفي بعض الحالات يتم استخدام محفزات الدوبامين ولكن مضادات الذهان تعمل على التثبيط؛ ومن هذه المضادات نذكر ما يلي:
- ريسبيريدون.
- كلوزابين.
- أولانزابين.
- زيبراسيدون.
- كيوتابين.
وبعض الفيتامينات مثل:
- ميتوكلوبراميد.
- بروميثازين.
- تيترابينزين.
- أموكسابين.
- دروبريدول.
قد يؤدي التوقف المفاجئ عن أدوية الدوبامين للإصابة بمرض باركنسون وهو مرض مرتبط (باضطرابات في الأنشطة الحركية- اضطرابات حسية- رعشة- ضعف الحالة العقلية- اضطرابات النوم).
النسب الغير طبيعية في النتائج المعملية
وهو ما يعرف بتشوهات المختبر ( laboratory abnormalities) حيث تختل النسب في الجسم مما يهدد قيام الأجهزة بوظائفها فيسبب حدوث ما يسمى بخلل الوظائف (dysfunction)؛ ومن النسب التي تم تحليلها للمصابين بمتلازمة الذُهان الخبيثة وتبين اضطرابها نذكر ما يلي:
- ارتفاع نسبة كرات الدم البيضاء لتصل إلى من 10000 إلى 40000 مم3.
- اختلال تركيز الكهرل في الجسم أو اضطراب الإلكتروليت؛ تعمل الكهارل كموصل كهربي طفيف عند إذابتها في الماء؛ وتعمل مع خلايا الجسم وأجهزته المختلفة في إحداث التوازن والنسب الطبيعية للأكسجين في الدم، والمحافظة على وظائف الكلى والكبد، وتتواجد في الدم وسوائل الجسم والبول، ويمكن الحصول عليها من الخضراوات والفواكه للحفاظ على توازن الجسم، اختلال تركيز الكهرل يسبب معاناة المريض من نقص الكالسيوم والماغنسيوم؛ وكذلك نقص السكر، وزيادة صوديوم الجسم، وخلل في الحمضية والقلوية.
- انحلال الربيدات مما يسبب الفشل الكلوي؛ وينتج انحلال الرابيدات عن انحلال العضلات المخططة فتنحل المواد التي بداخلها فتنتشر متسربة إلى الدم فيرتفع بوتاسيوم الدم على سبيل المثال مما يسبب قصور حاد في الكلى.
- انخفاض نسبة الحديد في الدم إلى 5.71 ميكرومول.
- ارتفاعات في إنزيمات الكبد.
- ارتفاع هيدروجين اللاكتات (وهو يشارك في عمليات الأيض والطاقة في الجسم).
- ارتفاع الفوسفاتيز القلوي وهو يساعد على تغذية الكبد بالإنزيمات اللازمة، ويساعد في نمو وتكوين العظام وعملية الهضم في الأمعاء، اختلال النسب يسبب مشاكل في الكبد والعظام بشكل كبير.
مضاعفات تسببها مضادات الذهان
من الأسباب التي تؤدي إلى زيادة خطورة مضاعفات أدوية الذهان هي زيادة جرعة الدواء؛ واستخدام المضادات طويلة المفعول التي قد يلجأ إليها الطبيب مضطراً بسبب شدة الحالة، ومن هذه المضادات التي تؤدي إلى زيادة عامل الخطورة هي الأدوية المؤهبة لليثيوم؛ أما المرضى الذين يتناولون جرعات ثابتة ومعتدلة يقل عامل الخطورة والمضاعفات لديهم؛ ومن أشكال المضاعفات التي تسببها مضادات الذهان نذكر مايلي:
- الشلل الرعاش.
- انخفاض ضعط الدم المصحوب بالإغماء.
- الرعشه.
- ضعف التركيز وخلل التفكير.
- الإمساك.
- جفاف الفم.
- خلل التوتر الحاد.
- اضطرابات حركية.
- الشعور بالنعاس.
- الإرهاق البدني.
- نقص الحديد.
- التسمم الدرقي.
- التهاب الدماغ.
- الهذيان والخرف.
- حالة من اللامبالاة.
أعراض تتداخل مع متلازمة الذهان الخبيثة
يمكن أن تتداخل متلازمة الذهان الخبيثة المهددة للحياة مع بعض الأمراض والحالات الطبية الأخرى التي تحمل أعراض متشابهة كالحمى والرعاش وعدم انتظام ضربات القلب؛ ومن هذه الحالات الطبية نذكر ما يلي:
- الإصابة بضربة الشمس.
- حالات الصرع.
- التهابات الجهاز العصبي المركزي.
- اعتلال الدماغ السام.
ولكن يمكن تمييز الاعتلال الناتج عن مضادات الذهان بأنه مفاجئ؛ وهناك مجموعة من الأعراض المصاحبة للمتلازمة تمكننا من تمييزها عن بعض الحالات الطبية المشابهة مثل:
- جفاف البشرة.
- انخفاض ضغط الدم.
- ارتخاء الأطراف.
ومن اللافت للنظر أن مضادات الذهان تزيد من قابلية المرضى للتعرض لضربات الشمس في حالة إذا كان الطقس حار وجاف وبخاصة إذا قام المريض ببذل مجهود زائد أو ممارسة التمارين الرياضية في الظروف الجوية الحارة.
يجب الانتباه المبكر في حالة إصابة المريض بعدوى الجهاز العصبي المركزي حيث من الممكن أن يسبب التهاب السحايا والتهاب الدماغ، ومن أهم أعراض عدوى الجهاز العصبي المركزي ما يلي:
- الحمى.
- التشنجات.
- الإحجام عن تناول الطعام.
- الصداع وآلام الرقبة.
تشخيص متلازمة الذهان الخبيث
التشخيص المبكر يحمي المريض من المضاعفات التي تهدد الحياة، ومن وسائل التشخيص ما يلي:
- الرنين المغناطيسي.
- الأشعة المقطعية.
- الموجات فوق الصوتية على الدماغ.
- البزل القطني أو البزل الشوكي.
- تحليل الدم.
- قد يتم التشخيص كذلك بإجراء تحليل البول.
دواعي استخدام مضادات الذهان
على الرغم من المضاعفات المحتملة لمضادات الذهان إلا أنها تعد ضرورية في الحالات النفسية والعصبية الحادة التي ينجم عنها تشوهات إدراكية وخلل في العلاقات الاجتماعية وانفصال عن الواقع وتهديد بإمكانية إيذاء المريض لنفسه أو أنه يشكل خطراً على المجتمع؛ تشمل هذه الدواعي بعض الأمراض الذهانية؛ ونذكر منها ما يلي:
- الفصام والاضطرابات الفصامية الوجدانية: تستخدم مضادات الجيل الأول والثاني التي تعتمد على تثبيط الدوبامين في علاج حالات الذهان الحادة؛ حيث تقلل من تكرار النوبات الذهانية، وتعمل على السيطرة على حدة الهلاوس والضلالات.
- الهوس الحاد: يعد الجيل الأول والثاني فعال أيضاً مع حالات الهوس الحاد حيث يعمل على تقليل التذبذبات العاطفية بين الحزن الشديد والمرح الشديد الناتج عن الهوس الاكتئابي أو الاضطراب ثنائي القطب.
- الاكتئاب الذهاني: يعد مضاد أولانزابين وفلوكستين فعال في حالات الاكتئاب ذو السمات الذهانية حيث يعمل على تحسين المزاج وإبعاد الأفكار الانتحارية.
- اضطراب الشخصية الحدية: ويعاني المريض بهذا الاضطراب في السيطرة على مشاعره، أدوية الجيل الأول والثاني تثبت فاعلية في علاج هذه الحالات.
- الذهان الناتج عن المخدرات: يحذر استخدام مضادات الجيل الأول في حالة الانسحاب من الكحول.
- اضطراب توريت: وهو اضطراب يشمل حركات لا إرادية يصعب السيطرة عليها وأصوات غير مرغوب فيها، مضاد هالوبيريدول وبيموزيد أكثر المضادات المستخدمة في علاج هذه المتلازمة.
- الخرف والهذيان: وهما أشهر الاضطرابات العقلية في الشيخوخة، تعتبر مضادات الجيل الأول مثل هالوبيريدول فعالة في علاج حالات الخرف والهذيان.
بجانب هذه الأمراض فإن جميع حالات التهيج الشديد، والعدائية المفرطة، والسلوك المضاد للمجتمع الناتج عن الذهان، وجميع الأعراض الذهانية غير محددة الأسباب أو التي تشمل أكثر من نوع من الأمراض الذهانية كذلك تستدعي استعمال مضادات الذهان.
موانع استخدام مضادات الذهان
عند استخدام مضادات الذهان لابد من المراقبة المستمرة لضغط الدم ومعدل ضربات القلب والقياس المستمر لدرجة حرارة الجسم، وإجراء الأشعة والرنين المغناطيسية والكشف بالموجات فوق الصوتية عند ظهور أي تشنجات غريبة على المريض يشتبه في أنها ناتجة عن عدوى الجهاز العصبي المركزي وتصبح الضرورة ملحة أكثر إذا كان المرضي من فئة كبار السن، ومن الأعراض التي يجب عند ظهورها التوقف عن صرف المضاد نذكر مايلي:
- ظهور أعراض الحساسية للعقار.
- تضخم وسرطان البروستاتا.
- وجود مشكلات حادة في القلب.
- خلل الحركة المتأخر أو المستمر.
- الجلوكوما وهو احتباس السوائل في العيون.
- في حالة استخدام مثبطات الجهاز العصبي المركزي.
علاج متلازمة الذهان الخبيث
يعتمد علاج متلازمة الذهان الخبيثة على السيطرة على الأعراض الجانبية التي تسببها مضادات الذهان أو بعض الأدوية الأخرى التي تعتمد على تثبيط أو تحفيز الدوبامين؛ وذلك من خلال:
- وقف الأدوية التي تسبب حساسية.
- مضادات الكولين مثل: بروسكيليدين، وديفينهدرامين وغيرها.
- إذا زادت حدة أعراض خارج السبيل الهرمي كالتشنجات والرعشة وخلل الحركة وأعراض بارنكسون؛ يمكن معاكسة الأعراض عن طريق تقليل الجرعات أو الانتقال من الأدوية التقليدية إلى الأدوية الغير تقليدية، مثل:زيبراسيدون أو كلوزابين.
- كذلك السيطرة على الحمى.
الصحة هي أثمن مايملك الإنسان وعلى رأسها صحة العقل لذلك كرس الباحثين والأطباء والأخصائيين في مجال علم النفس الإكلينيكي جهودهم في علاج الاضطرابات النفسية والعقلية لاسيما إذا كانت أحد هذه الاضطرابات أثر جانبي ناتج عن محاولات العلاج، وفي المقال السابق تعرف على متلازمة الذهان الخبيثة استعرضنا أهم أعراضها وبعضاً من المضادات الذهانية المسببة لها على موقعنا معلومة مفيدة وإلى اللقاء مع مقال آخر من موقعنا.